خــلاص مسـافـر
حينما
يتحول الوطن إلى منفى، والمدن إلى سجون، وتثور الزوابع لكي تقتلعك، تنزعك
من الأرض إلى قلب العاصفة، تحملك كجناح مكسور، تتحول مصر إلى مكنسة
عملاقة، تغضب وتقول
"خلاص مسافر"
حينما
تنتشر المحسوبية، وتجد نفسك عاجزا بغير واسطة، مُهانا بلا سبب، في كل
مكان، في الشارع مُهَان، في العمل مُهان، في الميكروباص مُهَان، في كل
المصالح الحكومية، في الأقسام والمكاتب والمستشفيات، عاجزا معدوم الحيلة،
تغضب وتقول
"مسافر مسافر"
عندما
تشعر أن النفوس موصدة، والقلوب مغلقة، والأرواح صَدِئة، أقاربك حالهم حال،
وأصدقاؤك كل واحد في واد، إذا وقعت في حفرة لن يخرجك أحد، وإذا مددت يدك
لن يمسكوا يدك، وإذا مت لن ينتشلوا جثتك، أخلاقيات الزحام والسفن الغارقة،
الكل يبحث عن مخرج، عن سترة نجاة، يتقاتل الجميع على الزوارق الباقية،
يطلبون الحياة، وأنت وحدك، دائما وحدك، تحزن وتقول
صحيت في يوم من الأيام
حسيت إني يا عيني غريب
حسيت بغدر الصحاب
واللي افتكرته حبيب
لم
تكن تتصور أن يصبح هذا حالك، كنت مستعدا لمواجهة الكون، وتغيير العالم،
تحلم بأن تكتشف آفاق الدهشة، وتحفر اسمك على الأهرامات العتيقة، تصبح
شاعرا، مغامرا في الأصقاع البعيدة، باحثا في معمل مُكيَّف، ما أكثر أحلامك
التي لم تتحقق!!، ما أجمل أحلامك التي لم تتحقق، ما أقسى أحلامك التي لم
تتحقق
وأنا اللي يا ما غنيت على الليالي
في الفرح موال
وفي الجرح موال
وفي الصبر موال
أصبح على دي الحال
غريب، أصبح أنا غريب
غريب، ولا حد جنبي قريب
وقلت أسافر
مسافر مسافر
لكنك تنسى وأنت تُعِدُّ حقائِبَك، وتحرق أوراقك القديمة - تنسى حبيبتك
في تلك اللحظات الصعبة، وأنت تمزق
أشعارك الساذجة، ومذكراتك الحالمة، وأشياءك المعوقة، تنسى أيامك الحلوة مع
امرأة أحببتها، امرأة أحبتك!!، ترقبك وأنت تحزم أمتعتك، صامتة دامعة،
مخطوفة بالحزن، مشنوقة باليأس، محكوم عليها بالإعدام
وخايفة لما تسافر
على البلد الغريب
تنسى إنك فايت
في بلدك حبيب
أشياء
لن يفهمها الرجل، ماذا تعني لامرأة: رائحة عرقك، ملمس بشرتك، أنفاسك
الرجولية، علبة تبغك، إحساسها بالأمان، أنت مأخوذ بالسفر، ولا تشعر
بوجودها، فيما هي لا تفكر بغيرك
مستني بأشواق، تعبان
تعبان من الفراق
ومولع لك شمعة
نورها مستنيك
ذكرياتكما
القديمة، كل ذكرى ترفع رأسها، دقة القلب الأولى، مرتبكة حالمة، دافقة
راجفة. ملاحقتك لها في زوايا الدروب، نظراتك المغموسة بالعشق، ابتسامتها
المفعمة بالحياء، وتلك الأيام القلقة: أيام الحب الأول، والشك يتلبس
باليقين، ثم يأتي مؤكدا مع أول مصافحة، أول مصارحة، أول لقاء
وفي عيونه دمعة
تمسحها بإيديك
لما تجيلي تاني
من البلد الغريب
لكن
هذه المرة، تدق حبيبتك على جدار أصم، الماضي صار حملا وأنت تتأهَّب للسفر،
وذكرياتك المرة حين تخلّى الجميع عنك، الناس يتحدثون بلغة المال، وهي
تخاطبك باللغات المندثرة!!. لذلك تقول:
يومين وأسافر
يمكن ألاقي الصبر في سكتي
يمكن ألاقي راحة في غربتي
يومين وأسافر
هي
لا تسمعك، تصغي لنداء القلب، تحبك، تعشقك، تدور في مدارك، كإلكترون أنهكه
الطواف، كشحنة مفعمة بالحب، وفراقكما يعني انشطار الذرة، والإشعاعات
المهلكة.. أحلامها أن تظلا معا، تلمسك طيلة الوقت، تتحسس كنزها الثمين
كان نفسي أكون جنبك
حبيبة من بلدك
تسهر على راحتك
لا ترحل، أي شيء إلا أن ترحل، أو خذني معك، أشاطرك رغيف الخبز، أطهو طعامك بنكهة الحب، نشرب معا كأس الحب، فقط أكون معك
تفرح لك في فرحك
وتقاسمك في جرحك
والهم تزيله عنك
لما تيجي تاني
من البلد الغريب
لكنك
تشعر أن ماضيك كله، بما فيه هي!!، أحلام مزيفة، الواقع هو تذكرة السفر،
جواز السفر، رحلة السفر، رحلة تضمر أن تجعلها بلا عودة. ولماذا تبقى وقد
خذلتك بلادك، مصر القاسية، تأكل أحبابها وتكافئ أعداءها، النيل ينبع من
دموعك، وعلى أكتاف أجدادك ارتفعت أحجار الهرم، ليلتحق الفرعون بالسماء ..
وعلى جماجم الأحبة ارتفع مجد "ابن آمون" يطاول السحاب
حفاة عراة جياع يحفرون القناة
بأظافرهم لينعم السادة بأوبرا عايدة.. لماذا يا مصر تخذلين عشاقك وتركعين
للطغاة؟، الأوِّله بلدي، والثانية بلدي، والثالثة بلدي. ولكن أين بلدي!!
أين بلدي
يومين وأسافر
يمكن ألاقي الصبر في سكتي
يمكن ألاقي الراحة في غربتي
يومين وأسافر
القلق
ينهشها، والغيرة تعصف بها، ماذا لو أحببت غيرها!، في البلاد البعيدة!!،
ماذا لو هجرتها!، الرجال متقلبون كالريح، غامضون كالبحر، أطفال كبار،
يفرحون بلعبة، حتى لو كانت مزيفة، ويهجرون أشياءهم النفيسة، ولا تعرف أنك
– مهما فعلت – لن تجد امراة تحبك كما أحبَّتك
خايفة تلاقي وردة تِحلو في عينيك
تنساني وتميل وتقطفها بإيديك
وتجرحك الأشواك وتتعذب هناك
فقط
لا تتألم، لا ينكسر قلبك مع امرأة أخرى، وأنت بعيد، لا تملك أن تواسي
حزنك، تداوي جرحك، وتمسح دموعك، تغرس في صحرائك زهور الأمل. وقلبها ينزف
أشواك الغيرة، كن سعيدا واصنع بعدها ما شئت، المهم أن تكون سعيدا، هكذا
حبها الكبير، هكذا قلبها الكبير
اقطفها بإيديا، وما تجرحش إيديك
سيب الجرح ليّا وخلي الفرح ليك
بس ارجع لي تاني من البلد الغريب